لطف الله تعالى بأصفيائه فأوصلهم إلى المنازل العالية بأسباب وطرق وهم لايشعرون ،
ولطف لهم فقدر أمورا خارجة عن إرادتهم ، فيها رفعتهم وهم لايعلمون
تكرر اسم الله اللطيف مقترنا باسمه الخبير في آيات منها قوله تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } ، وقوله عزوجل:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ }.
ومعنى الخبير: أي الذي أدرك بعلمه السرائر ، واطلع على مكنون الضمائر ، وعلم بطائن الأمور، فهو اسم يرجع في مدلوله إلى العلم بالأمور التي هي في غاية اللطف والصّغر وفي غاية الخفاء . ومن باب أولى وأحرى علمه بالظواهر والجليات ؛ فقد أحاط بكل شيء علما ، وأحصى كل شيء عددا.
وأما اللطيف فله معنيان :
أحدهما : بمعنى الخبير وهو أن علمه دقّ ولطُف حتى أدرك السرائر والضمائر والخفيات.
المعنى الثاني: الذي يوصل إلى عباده مصالحهم بلطفه وإ.ه من طرق لايشعرون بها.
قال ابن القيم- رحمه الله- في نونيته:
وهــو اللطيف بــعبده ولــعبده *** والـلـطف في أوصـافه نـوعـانِ
إدراك أســرار الأمــور بخُـبره *** والـلـطف عند مواقع الإحـسـانِ
فيــُريك عزته ويُـبدي لطـــفه *** والعبد في الغفلات عن ذا الشانِ
ولطف الله بالعبد من الرحمة بل هو رحمة خاصة ؛ فالرحــمة التي تصل إلى العبد من حيث لايشعر بها أو بأسبابها هـي اللــطف.
يقال : ( لطف بعبده ، ولطف له ) أي تولاه ولاية خاصة بها تصلح أحواله الظاهرة والباطنة ، وبها تندفع عنه جميع المكروهات من الأمور الداخلية والأمور الخارجية. فالأمور الداخلية لطفٌ بـــالعبد ، والأمور الخارجية لطف للـــــعبد.
فإذا يسر الله لعبده وسهل له طرق الخير ، وأعانه عليها فقد لطف بــه ، وإذا قيض له أسبابا خارجية غير داخلة تحت قدرة العبد فيها صلاحه فقد لطف لـــه. و في قصة يوسف عليه السلام قدر الله له أمورا كثيرة خارجية عادت عاقبتها الحميدة على يوسف وأبيه عليهما السلام وكانت في مبدئها مكروهة ولكن كانت عواقبها أحمدَ العواقب ، وفوائدها أجلّ الفوائد ولهذا قال عليه السلام :" إن ربي لطيف لما يشاء " أي أن هذه الأشياء التي حصلت لطفٌ لطفه الله له فاعترف عليه السلام بهذه النعمة.
ولطف الله بعبده وله باب واسع ، يتفضل الله تعالى بما شاء منه على من يشاء من عباده ممن يعلمه محلا لذلك وأهلا :
- فمن لطفه بعباده المؤمنين أنه جل وعلا يتولاهم بلطفه فيخرجهم من ظلمات الجهل والكفر والبدع والمعاصي إلى نور العلم والإيمان والطاعة.
- ومن لطفه بهم أنه يقيهم طاعة أنفسهم الأمارة بالسوء فيوفقهم لنهي النفس عن الهوى ، ويصرف عنهم السوء والفحشاء مع توافر أسباب الفتنة وجواذب المعاصي والشهوات ؛ فيمنّ عليهم ببرهان لطفه ونور إيمانه فيدعونها مطمئنة لتركها نفوسهم ، منشرحة بالبعد عنها صدورهم.
- ومن لطفه بعباده أنه يقدر لهم أرزاقهم بعلمه بمصلحتهم لا بحسب مراداتِهم؛ فقد يريدون شيئا وغيره أصلح ؛ فيقدر لهم الأصلح وأن كــرهوه لــطفاً بهم. قال تعالى: " الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز"
- ومن لطفه جل وعلا بهم : أنه يقدر عليهم أنواعا من المصائب وضروبا من البلايا والمحن سوقاً لهم إلى كمالهم وكمال نعيمهم.
- ومن لطفه بعبده -سبحانه- أن يقدر له أن يتربى في ولاية أهل الصلاح والعلم والإيمان ، وبين أهل الخير ليكتسب من أدبهم وتأديبهم. وأن ينشأ كذلك بين أبوين صالحين ، وأقارب أتقياء ، وفي مجتمع صالح.
- ومن لطفه بعبده أن يجعل رزقه حلالاً في راحة وقناعة يحصل به المقصود ولايشغله عما خلق له من العبادة والعلم والعمل به ، بل يعينه على ذلك.
- ومن لطفه بعبده أن يقيض له إخوانا صالحين ورفقاء متقين يعينونه على الخير ويشدون من أزره في سلوكه سبيل الاستقامة والبعد عن سبل الهلاك والانحراف.
- ومن لطفه-جل وعلا- بعبده أن يبتـليه ببعض المصائب فيوفـقه للقيام بوظيفة الصبر فيها ، فيُـنيله رفيع الدرجات وعالي الرتب .
- ومن لطفه سبحانه بعبده أن يكرمه بأن يوجد في قلبه حلاوة روح الرجاء وانتــظار الفرج وكشف الضر؛ فيخف ألمه وتنشط نفسه.
قال ابن القيم رحمه الله: ( فإن انتـــظاره ومطالعته وترقبه يخفـف حمل المشقة ولاسيما عند قوة الرجاء أوالقطع بالفرج ؛ فإنه يجد في حشو البلاء من رَوح الفرج ونسيمه وراحته ما هو من خفي الألطاف، وما هو فرج مُعـجل ، وبه وبغيره يُعرف معنى اسمه اللطيف ) أ.هـ
كم هو نافع بالعبد أن يعرف معنى هذا الاسم العظيم ودلالته ، ليحقـق الإيمان به ، ويقوم بما يقتضيه من عبودية لله فيملأ قلبه رجاءً وطمعاً في نيل فضل الله ، متحرياً في كل أحواله الفوز بالعواقب الحميدة ، واثقاً بربه اللطيف ومولاه الكريم بالنعم السوابغ والعطايا.
ومن يتحرّ الخير يُعطه ، ومن يتوقّ الشر يوقه. والفضل بيد الله وحــده يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق